إن من رحمة الله -تعالى- بعباده أن شرع لهم العديد من العبادات المختلفة، فهي سبيلٌ لنيل الأجر والثّواب، وهذه العبادات متنوّعة حتّى لا يملّ المسلم من القيام بأداء عبادةٍ معيّنة، ومن هذه العبادات الصّلاة، وما يتفرّع عنها كصلاة قيام اللّيل، وهي من النّوافل ومن أعظم وأفضل الصّلوات بعد الصّلاة المكتوبة، وقد أمر الله -تعالى- رسوله الكريم بأدائها، قال تعالى: (وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّد بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَن يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحمودًا)، ويدخل وقت صلاة اللّيل من بعد انتهاء صلاة العشاء إلى حين أذان الفجر، وأفضل وقتٍ لها هو الثّلث الأخير؛ لأنّ الله -تعالى- ينزل في هذا الوقت إلى السماء الدنيا، ليسمع عباده، ويجيب دعاءهم، فينبغي على المسلم أن يحرص كلّ الحرص على قيام اللّيل

صلاة قيام الليل

يقول الله جل وعلا : يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ۝ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ۝ نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ۝ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:1-4]، وقال  في وصف عباده المتقين: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ۝ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18] ، وقال عن عباد الرحمن: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:64].

وقيام الليل ليس له عدد محصور ، ولكن علينا الأخذ بسنة نبينا صلوات الله وتسليمه عليه ، فكان رسولنا – صل الله عليه وسلم  – يوتر بإحدى عشر أو ثلاثة عشر ركعة كما ورد في الصحيحين ، وإذا أوتر بأكثر من ذلك بعشرين أو بأربعين أو بأكثر من ذلك وختم بواحدة فلا بأس بذلك، لقوله ﷺ في الحديث الصحيح: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بواحدة هذا يدل على أن صلاة الليل ليس لها حد، ولهذا قال: صلاة الليل مثنى مثنى ولم يحد بحد عشر أو أكثر أو أقل، قال: فإذا خشي أحدكم الصبح فليصل ركعة واحدة توتر له ما قد صلى هذا هو المشروع في هذا الباب.

وقت صلاة قيام الليل

وقتها من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، بعد صلاة العشاء وسنة الراتبة إلى طلوع الفجر كله محل تهجد بالليل.
وأفضل ذلك آخر الليل الثلث الأخير هذا أفضل ذلك. وإن أوتر في أول الليل أو من وسطه فلا بأس، قد فعل النبي ﷺ هذا كله، قد أوتر من أول الليل عليه الصلاة والسلام، وأوتر من وسطه، وأوتر من آخره، كما قالت عائشة رضي الله عنها، ثم استقر وتره في السحر عليه الصلاة والسلام.

صفة صلاة قيام الليل

وفقاً لما جاء على لسان الإمام ابن باز : فإن صلاة القيام لا مانع أن يصليها جماعة في بعض الأحيان مع أهله، أو مع زواره من غير أن يتخذها عادة، لكن إذا صادف ذلك أنه زاره بعض إخوانه فصلوا جماعة لا بأس، وقد زار سلمان  أبا الدرداء في بعض الليالي وصليا جماعة في الليل، والنبي ﷺ زار محل أنس وصلى الضحى بهم جماعة عليه الصلاة والسلام.

فالمقصود أنه إذا صلى النافلة جماعة في بعض الأحيان من غير اتخاذ ذلك عادة راتبة فلا بأس بذلك، ولا حرج في ذلك.
والوتر أقله واحدة، ولا حد لأكثره، لكن الأفضل إحدى عشرة أو ثلاث عشرة هذا هو الأفضل، لفعل النبي ﷺ.

صلاة قيام الليل سرية أو جهرية

يجوز أن يجهر ويجوز أن يسر، تقول عائشة رضي الله عنها: «كل ذلك قد فعله النبي ﷺ »، ربما جهر بالقراءة وربما أسر عليه الصلاة والسلام.

فالمؤمن يفعل ما هو أصلح لقلبه، وما هو أخشع له، فإذا كانت قراءته جهرة أخشع لقلبه جهر، وإذا كانت السرية أخشع لقلبه وأرفق به فعل ذلك سرية.

فضل صلاة قيام الليل

قال النبي ﷺ في حديث جابر عند مسلم: من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل خرجه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر ، ولأن الرسول ﷺ أوتر من أول الليل، وأوتر من وسطه، وأوتر من آخره، فالأمر واسع، وقد أوصى عليه الصلاة والسلام أبا الدرداء و أبا هريرة بالوتر أول الليل، والسر في ذلك والله أعلم أنهما كانا يدرسان الحديث، فربما شق عليهما القيام في آخر الليل، فأوصاهما بالإيتار قبل النوم.

فالمؤمن يجاهد نفسه في هذا والحمد لله ليس بفريضة إنما هو سنة، سنة مؤكدة وكان يفعله النبي في السفر والحضر عليه الصلاة والسلام، كان في السفر والحضر يوتر ويتهجد بالليل عليه الصلاة والسلام. فمن فعل هذا فقد أحسن وله أجر عظيم ومن ترك ذلك فلا حرج عليه لكنه ترك أمرًا عظيمًا وسنة كبيرة .

صلاة الليل عبادة عظيمة ومن سنة الأنبياء ومن دأب الصالحين، وهي مثلما في الحديث تكفر السيئات، وقربة إلى الله جل وعلا، وهي من دأب الصالحين قبلنا.

فينبغي للمؤمن أن يعتادها وأن يفعلها تأسيًا بالأنبياء والأخيار، كما قال سبحانه في عباد الرحمن: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:64] ، وقال في المتقين: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ۝ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18] ، وقال سبحانه في أهل الصلاح والخير:تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ۝ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سورة السجدة:16-17].

والله جل وعلا في كتابه العظيم رغب فيها كثيرًا، وهكذا نبيه عليه الصلاة والسلام. فينبغي للمؤمن أن يستكثر من ذلك وأن يعتاد ذلك .

صوارف صلاة الليل

من الصوارف السهر، يعني السهر في القيل والقال، والأحاديث التي لا فائدة فيها، أو في مشاغل الدنيا كالصناعة والجشع والحرص على المال، يعمل ليلًا ونهارًا لجمع المال والحرص على المال، فإذا سقط في الفراش سقط سقوط الميت، لا يستطيع أن ينهض للعبادة، وربما ترك صلاة الفجر ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فينبغي للمؤمن أن ينام مبكرًا ويجتهد في ذلك، حتى يستطيع أن يقوم من آخر الليل، أو يصلي من الليل ما تيسر قبل أن ينام، ثم ينام مبكرًا، حتى يستطيع القيام لصلاة الفجر ويصليها في الجماعة، فمن فعل ذلك فقد أحسن، ومن تساهل وقع فيما وقع فيه المنافقون، من فوات الخير والحصول على الشر والندامة، قال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:142]، فالمؤمن ينبغي له البعد عن التشبه بهم في جميع الأحوال.