الفرزدق ولد في مدينة البصرة في عام ٦٤١م، اسمه بالكامل هو همّام بن غالب بن صعصعة، وكنيته أبي فراس، ولُقّب بالفرزدق لأنه كان ضخم متجهم الوجه ، هذه الكلمة تعني الرغيف ، والده غالب سيّد بني تميم، ووالدته ليلى بنت حابس، اخوها الصحابي الأقرع بن حابس الذي كان يعتبر من سادات العرب في عصر الجاهلية، تربى في البادية فاتصف بصفات أهلها مثل قوة الشكيمة، وجلفة الطباع، والتعالي الممزوج بالشرف والأصل والكرم .

حياة الفرزدق

كان الفرزدق طوال حياته يتنقل بين الأمراء والخلفاء ويمدحهم ثم يهجوهم ، ثم يمدحهم، ثم يهجوهم مرة أخرى، وكان محبا شديدا لآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث كان قوي العاطفة تجاههم ، مجاهرا بحبهم ، وقال العديد من القصائد في حبهم .

عاش الفرزدق فترة طويلة جدا من حياته في الفجور ، ولكن اتضحت له العديد من النواحي الحياتية بحلاوتها ومرارتها ، وقد مات بسبب المرض بعد أن اقترب إلى المائة عام ، وكان الفرزدق معروفا بشعر الهجاء بينه وبين الأخطل وجرير، وكانوا معروفون بشعر النقائص، حيث كان أحدهم يقوم بكتابة قصيدة يفخر فيها بقبيلته ويهجدها ثم يأتي الآخر ويرد عليه بقصيدة أخرى بنفس القافية والوزن .

وكان شعر الفرزدق يتميز بالعبارات الفخمة، والألفاظ القوية، وقد اعتبره المؤرخون افخر الشعراء العرب ؛ لأن معظم مواد الفخر اجتمعت فيه، حيث كان ذو نسب رفيع من أعرق القبائل العربية، وكان لديه همة عظيمة جدا .

قصيدة الفرزدق

كتب الفرزدق قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه و سلم و آله عندما أنكر خليفة المسلمين حفيد رسول الله صلى الله عليه و سلم مستكبراً ، وقال في القصيدة :

هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ، وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّهِمُ، هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ
هذا ابنُ فاطمَةٍ، إنْ كُنْتَ جاهِلَهُ، بِجَدّهِ أنْبِيَاءُ الله قَدْ خُتِمُوا
وَلَيْسَ قَوْلُكَ: مَن هذا؟ بضَائرِه، العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجمُ
كِلْتا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفعُهُمَا، يُسْتَوْكَفانِ، وَلا يَعرُوهُما عَدَمُ
سَهْلُ الخَلِيقَةِ، لا تُخشى بَوَادِرُهُ، يَزِينُهُ اثنانِ: حُسنُ الخَلقِ وَالشّيمُ
حَمّالُ أثقالِ أقوَامٍ، إذا افتُدِحُوا، حُلوُ الشّمائلِ، تَحلُو عندَهُ نَعَمُ
ما قال: لا قطُّ، إلاّ في تَشَهُّدِهِ، لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ

عَمَّ البَرِيّةَ بالإحسانِ، فانْقَشَعَتْ عَنْها الغَياهِبُ والإمْلاقُ والعَدَمُ
إذ رَأتْهُ قُرَيْشٌ قال قائِلُها: إلى مَكَارِمِ هذا يَنْتَهِي الكَرَمُ
يُغْضِي حَياءً، وَيُغضَى من مَهابَتِه، فَمَا يُكَلَّمُ إلاّ حِينَ يَبْتَسِمُ
بِكَفّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ، من كَفّ أرْوَعَ، في عِرْنِينِهِ شمَمُ
يَكادُ يُمْسِكُهُ عِرْفانَ رَاحَتِهِ، رُكْنُ الحَطِيمِ إذا ما جَاءَ يَستَلِمُ
الله شَرّفَهُ قِدْماً، وَعَظّمَهُ، جَرَى بِذاكَ لَهُ في لَوْحِهِ القَلَمُ
أيُّ الخَلائِقِ لَيْسَتْ في رِقَابِهِمُ، لأوّلِيّةِ هَذا، أوْ لَهُ نِعمُ
مَن يَشكُرِ الله يَشكُرْ أوّلِيّةَ ذا؛ فالدِّينُ مِن بَيتِ هذا نَالَهُ الأُمَمُ
يُنمى إلى ذُرْوَةِ الدّينِ التي قَصُرَتْ عَنها الأكفُّ، وعن إدراكِها القَدَمُ

مَنْ جَدُّهُ دان فَضْلُ الأنْبِياءِ لَهُ؛ وَفَضْلُ أُمّتِهِ دانَتْ لَهُ الأُمَمُ
مُشْتَقّةٌ مِنْ رَسُولِ الله نَبْعَتُهُ، طَابَتْ مَغارِسُهُ والخِيمُ وَالشّيَمُ
يَنْشَقّ ثَوْبُ الدّجَى عن نورِ غرّتِهِ كالشمس تَنجابُ عن إشرَاقِها الظُّلَمُ
من مَعشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ، وَبُغْضُهُمُ كُفْرٌ، وَقُرْبُهُمُ مَنجىً وَمُعتَصَمُ
مُقَدَّمٌ بعد ذِكْرِ الله ذِكْرُهُمُ، في كلّ بَدْءٍ، وَمَختومٌ به الكَلِمُ
إنْ عُدّ أهْلُ التّقَى كانوا أئِمّتَهمْ، أوْ قيل: «من خيرُ أهل الأرْض؟» قيل: هم
لا يَستَطيعُ جَوَادٌ بَعدَ جُودِهِمُ، وَلا يُدانِيهِمُ قَوْمٌ، وَإنْ كَرُمُوا
هُمُ الغُيُوثُ، إذا ما أزْمَةٌ أزَمَتْ، وَالأُسدُ أُسدُ الشّرَى، وَالبأسُ محتدمُ
لا يُنقِصُ العُسرُ بَسطاً من أكُفّهِمُ؛ سِيّانِ ذلك: إن أثَرَوْا وَإنْ عَدِمُوا
يُستدْفَعُ الشرُّ وَالبَلْوَى بحُبّهِمُ، وَيُسْتَرَبّ بِهِ الإحْسَانُ وَالنِّعَمُ