يُعرَّف التسامح لغة على أنّه التساهل، وقد تحوّل هذا المصطلح إلى واحد من أكثر المصطلحات تردداً على ألسنة المصلحين، والمفكّرين، وغيرهم، وهو مصطلح يتضمّن التأكيد على أهمية احترام الآخرين، وحقّهم في اعتقاد ما يشاؤون، وعدم النظر إليهم بانتقاص لأنّهم مختلفون في لغاتهم، أو ألوانهم، أو دياناتهم، أو آرائهم، الأمر الذي يضمن للجميع الحق في الحياة الكريمة، الخالية من المنغِّصات مهما كان نوعها. وإن تحويل التسامح إلى ثقافة تعمُّ أرجاء المجتمع يحتاج إلى عمل دؤوب من قبل كافة الجهات المعنيّة، خاصّة تلك التي تهتم وتُعنى ببناء الإنسان، وعلى رأسها الأسرة، والمدرسة، والدولة، إلى جانب أصحاب الفكر، وعلماء الدين، وغيرهم، فكلّ هؤلاء يمتلكون القدرة على تشكيل عقل الإنسان، وعاطفته، وتحصينه من الأفكار الدخيلة التي تعمل على تهميش الآخر، واحتقاره، وازدرائه، والتعامل معه بطريقة تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان، والمبادئ الإنسانيّة العالمية التي تؤسّس لمجتمعات متحابّة، متآلفة، تتعاون فيما بينها على الخير، وعلى إبعاد الشرِّ عنها.

ثقافة التسامح

تسعى العديد من دول العالم إلى نشر ثقافة التسامح في مجتمعاتها، والمساعدة أيضا على نشرها في العالم ، لما تحققه هذه الثقافة من إحلال السلام والتعايش السلمي بين الشعوب المختلفة، وبين أفراد المجتمع نفسه، بالرغم من ذلك هناك إشكالية كبيرة تواجه ثقافة التسامح ، وهي التسامح مع المتعصبين، وقد عبر عنها في وجهتي نظر مختلفتين كل من الفيلسوف كارل بوبر، والفيلسوف جون راولز.

حيث أيد بوبر في كتابه ” المجتمع المفتوح وأعدائه ” رفض التسامح مع المتعصبين، مبررا ذلك بأن المجتمع يعج بجماعات مختلفة تفشل غالبا في الاتفاق على رأي واحد، والتسامح مع المتعصبين يمكن أن يقوض دعائم المجتمع، وذلك بالرغم من أن المجتمع قائم على التسامح.

وخصص الفيلسوف جون راولز جزءً من كتابه “نظرية العدالة” للبحث في تلك الإشكالية، وخلص إلى أنه ينبغي للمجتمع أن يتسامح مع المتعصب، وأحقية المتعصب في أي مجتمع  التقدم بشكوى إذا لم تتم مسامحته، وبرر راولز هذا الرأي بأن المجتمع إذا لم يتسامح مع المتعصبين فإنه سيحول إلى مجتمع متعصب، وإنه على مؤسسات المجتمع أن تؤمن نفسها

 تاريخ التسامح

بدأت أولى المحاولات لوضع أسس ونظرية حول فكرة التسامح إلا في القرنين السادس عشر والسابع عشر، استجابة لحركة الإصلاح البروتستانتي والمعروفة أيضا باسم الثورة البروتستانتية  أو الإصلاح اللوثري، والتي جاءت ردا على ما عرف باسم حروب الأديان والاضطهادات التي كانت تبرر أسباب اندلاع حروب الأديان وإعدام الأفراد المدانين بتهم الهرطقة أو الزندقة والسحر.

عرض خلال تلك الفترة كتاب أمثال  سيباستيان كاستيلو وميشيل دي مونتين، لمناقشات حول فكرة التسامح.

وصدرت كتابات عديدة دارت حول التسامح في بريطانيا خلال القرن السابع عشر وفي أثناء وعقب الحروب الأهلية الإنجليزية المدمرة، ومن أشهر هذه الكتابات كتابي المفكر جون لوك “رسالة في التسامح” و”رسالتين في الحكم”، وفيهما قدم نظرية مفصلة ومنظمة لفكرة التسامح.

صدر عام 1689 قانون التسامح البريطاني نتيجة للجهد الفكري الذي بذل في الدعوة لفكرة التسامح وإرساء مبادئه، ما فتح الباب لتطور وانتشار فكرة التسامح، وقد شارك فلاسفة وكتاب عصر التنوير، أمثال فولتير وليسينج، في تطوير فكرة التسامح الديني على نطاق واسع.

التسامح والمظاهر المرتبطة به وأنواعه

توجد أنواع مختلفة من التسامح، وتختلف مظاهرها تبعا لنوعية التسامح، ومن هذا الأنواع

التسامح الديني

ومن أهم مظاهره حرية ممارسة الشعائر الدينية، التعايش بين الأديان، التخلي عن التعصب الديني.

التسامح الفكري والثقافي

ومن مظاهره الإيمان بالتعددية الثقافية، عدم التعصب للأفكار، احترام أدب وفن الحوار والحق في إبداء الرأي.

التسامح السياسي

تستند مظاهر التسامح السياسي في الأقتضاء بنهج مبدأ الديمقراطية و ضمان الحريات السياسية.

التسامح العرقي

تقبل الآخر، والتعايش المشترك مع أعراق مختلفة، ونبذ التميز العنصري.