حيَّرت هذه الكائنات العُلماء الأوروپيين فترةً من الوقت بعد اكتشافها، فكانت - في نظرهم - عبارة عن خليطٍ عجيبٍ من الكائنات: فهي من الثديَّيات لكنها تضع البيض كالطُيُور، ولها منقارٌ كمنقار البط، وذيلٌ كذيل القُندُس، وقوائم مُكففة الأصابع كقوائم القضَّاعات (ثعالب الماء)، فاعتبرها البعض حلقةً بين الثديَّيات والزواحف. مناجذُ الماء من الثديَّيات السَّامَّة القليلة، فالذكر منها يتمتَّع بِمخلبٍ مهمازيٍّ إضافيّ على كُلِّ رجلٍ من رجليه الخلفيتين يتَّصلُ بِغُدَّةٍ سامَّةٍ يُمكنُ أن تتسبب بِألمٍ مُبرحٍ لِأيِّ إنسانٍ يُطعنُ بها. المظهرُ الخارجيّ لِمناجذ الماء يجعلها موضع دراسةٍ بارزٍ ومُهم في ميدان علم الأحياء التطوُّريّ، كما أنَّهُ جعلها رمزًا أيقونيًّا لِأُستراليا؛ فكثيرًا ما تُجسَّد هذه الكائنات بهيئتها الفعليَّة، أو بِهيئةٍ هزليَّة أو كرتونيَّة، في عدَّة مجالات أو ميادين ثقافيَّة أُستراليَّة، ومن ذلك أن نُقشت صورتها على خلفيَّة العشرين سنتًا أُستراليًّا، وجُعلت شعار ولاية نيوساوث ويلز.

خلد الماء

ينتمي خلد الماء إلى عائلة وحيدات المسلك monotremes ، و هي عبارة عن ثدييات صغيرة الحجم ، و يتميز خلد الماء عن غيره من الحيوانات بأنه سام ، و له منقار يشبه منقار البط و ذيل مثل ذيل القندس ، هذا بالإضافة إلى كونه يبيض و يرضع صغاره معاً ، و من المميز في خلد الماء أيضًا أنه لا يمتلك حلمات ثدية لإرضاع الصغار منها .

و لكنه يقوم بفرز الحليب بواسطة وسادة الثدي الموجودة على بطن الأم ليرضعها صغاره ، و هذا أثار تساؤلات عديدة من قبل العلماء ، فكيف يظل الحليب دون تلوث ، فبتلك الطريقة يجعل خلد الماء الصغار أكثر عرضة لمخاطر البكتيريا ، و لذلك سعى الباحثون لتحليل و دراسة خصائص هذا الحليب و مكوناته ، مشيرين إلى أنه يحتوي على خصائص استثنائية و وقائية مضادة للبكتيريا ؛ و عائدة إلى أحد البروتينات فيه.

فوائد حليب خلد الماء

قام فريق من الباحثين من وكالة الأبحاث الوطنية الاسترالية ، و منظمة الكومنولث للبحوث العلمية و الصناعية(CSIRO) ، و جامعة Deakin ، بعمل دراسة توضيحية لأهم الخصائص الموجودة في حليب خلد الماء ، و قد توصل الفريق إلى أن حليب خلد الماء يحتوي على خصائص مدهشة مضادة للبكتيريا ، و بالتالي فإن الحليب نفسه قادر على استخدام تلك الخصائص من أجل القضاء على الجراثيم ، و قد اكتشف الباحثون تلك القدرة من خلال تحليل نوع خاص من أنواع البروتين الموجودة في الحليب ، و قد جرت الدراسة كالتالي ، تم استئصال هذا النوع من البروتينات من حليب خلد الماء ، و نجح الباحثون في إنتاج هذا البروتين ، و ذلك من خلال تقنيات البيولوجيا الجزيئية ، و السينكروتون ، و مركز التبلور التعاوني المتطورCrystallization Collaborative Center 3 ، التابع لـ CSIRO.

و بذلك قدم الباحثون اكتشافا جديدًا في عالم الطب ، فهذا البروتين يحمل قدرة على مقاومة أنواع عديدة من البكتريا ، و بالتالي فهناك أمل كبير في التخلص من البكتريا المتربصة بالإنسان من خلال تناول بعضا من حليب خلد الماء ، أو ادخاله في العديد من الأطعمة ، و قد أطلق العلماء على هذا البروتين اسم “شيرلي تيمبل” و هي الممثلة الأمريكية المشهورة ، و أشاروا إلى أن وجه المقارنة بين حليب خلد الماء و الممثلة شيرلي تيمبل ، هو أن كلاهما لديه قدرات و مميزات خاصة تظهره عن غيره.

و حديثًا يسعى العلماء لنقل الفعالية المنقذة للحياة ، حليب خلد الماء ، و تطوير ذلك البروتين الموجود فيها ليصل إلى قدرة أكبر في مقاومة البكتريا ، و في عام 2014م ، تم نشر تقرير من قبل منظمة الصحة العالمية تناشد فيه المراكز الطبية و الباحثين و العلماء من أجل التصدي للخطر المحدق بالإنسان ، الناتج عن زيادة المقاومة الميكروبية للصادات ، مشيرة إلى ضرورة تطوير مثل هذه الاكتشافات بصورة سريعة للحفاظ على صحة الإنسان و كافة الكائنات الحية.