كان البرامكة من المقرّبين جداً من هارون الرشيد؛ حتى إنّ يحيى بن خالد بن برمك هو من قام برعاية هارون الرشيد في طفولته، وكان لا يناديه إلّا بقول: يا أبي، فعندما تولّى هارون الرشيد الخلافة، وامتلك زمام الأمور في الدولة، عيّن يحيى على وزارته، وقال له: (قلدتّك أمر الرعية، وأخرجته من حقي إليك، فاحكم في ذلك بما ترى من الصواب، واستعمل من رأيت، وأعزل من رأيت)، فهو تفويضٌ كاملٌ له للقيام بأمورالدولة أحسن قيامٍ، حتى كان لقبهم زهرة الدولة العباسية؛ لما كان من حُسن قيادتهم للجيش، وتدبيرهم لأمور الدولة، وحدث أن تغيّر الحال بين هارون الرشيد والبرامكة، ممّا أدى إلى حدوث ما يُسمّى بنكبة البرامكة، ممّا دفع المؤرّخين إلى تأليف الإشاعات، فمنهم من قال ببراءة للبرامكة، وأنّ سبب النزاع كان نزوة غضبٍ من هارون الرشيد، ومنهم من افترى قصصاً غير حقيقة ولا أصل لها.

أسباب معركة البرامكة
تكاثرت الأقاويل عن أسباب هذه النكبة التي فاجئت الجميع ، و التي وصفها المؤحون بصراع ” العرب و العجم ” ، و من أهم الأسباب التي تم ذكرها ما يلي:

في حين تأييد البرامكة لهارون الرشيد و سعيهم في عقده البيعه لأبنه الأمين ، اختلفت الموازين و شعروا بأنهم أساءوا الاختيار ، و خاصة بعد زيادة نفوذ أمه زبيدة التي كانت تسخط على البرامكه ، و على ما صاروا إليه من نفوذ . و قام البرامكة حينها باستغلال نفوذهم و قربهم الشديد من الخليفة هارون الرشيد ، و بعد مضي ثماني سنوات من بيعة هارون الأولى لأبنه الأمين ، استطاعوا بالفعل إقناعه أن يعقد البيعة لأبنه الأكبر عبد الله المأمون ، و خاصة أن أمه فارسية . و بعد أربعة أعوام قام الرشيد بعقد البيعة لأبنه القاسم الذي لقب بالمؤتمن ، من بعد أخويه.

و ذكر ابن خلدون أن أسباب انقلاب الخليفة هارون الرشيد على البرامكة ، هو استبدادهم على الدولة ، و احتجافهم أموال الجباية ، حتى كان الخليفة يطلب اليسير من الأموال فلا يصل إليه ، و التدخل في أمور الدولة و الحكم بغير حق.

و ذكرت أيضا بعد كتب التاريخ ، أنه من أحد أسباب معركة البرامكة علاقة بين العباسة أخت هارون ، و جعفر بن يحي البرمكي الذي كان في منزلة أخ للرشيد و خليله في المجالس.

قضاء هارون الرشيد على البرامكة
بعد محاولة البرامكة في إفشاء الفتنة بين الأخوين ، و التدخل في أمور الدولة بغير حق ، و بعد نجاح الوشايات و الدسائس في تشويه صورة البرامكة عند الخليفة ، بدأت الأمور تسلك طريقا جديدا . فيقال أنه أمر كاتبه بكتابة رسائل إلى جميع ولاته ، أمرهم فيها بقطع رؤس كل البرامكة و إرسال جميع أموالهم إلى بيت مال المسلمين ، و إلحاق كل بيوتهم و قصورهم ببيت المال . و أمر بضرب رأس جعفر بن يحي أيضا في تلك الليلة.

كما أمر بإدخال يحي بن خالد البرمكي ، و أبناءه الفضل و محمد و موسى ، السجن . و أمر بضرب رؤسهم في الصباح و معهم ألف برمكي.