مما لا شك فيه أن علم الاقتصاد هو علم كبير ومتشعب وتنقسم دروبه لعشرات المجالات التي يناقشها ويهتم بها ويرتبط أو يؤثر فيها بشكل أو بآخر، ومن تلك المجالات التي يرتبط بها الاقتصاد بشكل كلي نجد مجالَي القانون والعلوم؛ فالاقتصاد الذي يؤثر على مستقبل الدول والشعوب ويرفع أمة ويضع أخرى بالتأكيد له ارتباطات وتأثيرات رهيبة على مختلف مجالات المجتمع، وسنذكر فيما يلي علاقته بمجال القانون وكذلك علاقته بالعلوم والمعارف.
العلاقة ما بين القانون والاقتصاد
إن القانون باعتباره الخط الذي يسير عليه الجميع ويحدد وجهته وفق علامات وإشارات هذا الخط وتوجيهاته، يوجد له تأثير قوي جدا على الاقتصاد ويتأثر به كذلك في كثير من الأحيان؛ فالأثر الواضح للقانون يظهر على نمو الاقتصاد وحركة الأسواق وتوفيق أوضاعها وتحديد آليات التعامل فيها والتبادل المالي وسبل عقد الصفقات وما إلى ذلك.
ولا شك أنه لولا وجود القوانين لما ظهرت المؤسسات التي تهتم بإدارة الأسواق وحساب الفوائد، كما انتشرت حالات النصب والسرقة وانتشرت الحيل والألاعيب التي تهدر الاقتصاد وتساعد على انهياره وسلب حقوق المواطنين دونما قانون يحفظها لهم.
والعلاقة ما بين الاقتصاد والقانون هي مهمة للغاية، ويمكن الاستدلال على أهميتها تلك عبر قدرة القانون على حل المشاكل التي تطرأ على الأسواق أو المؤسسات، ووجوده كحكم بين مختلف الأطراف المتنازعة اقتصاديا.
العلاقة ما بين الاقتصاد والعلوم
تلك العلاقة التي لاطالما نوقشت فيما بين الأقران حتى بين عموم الناس، حول أي المجالين أهم وأيهما أقوى تأثيرا على الآخر ؟
هل الاقتصاد هو ما يوفر العلوم والمعارف وأماكن التدريس والمناهج والأكاديميات ويثري الحياة العلمية ؟
أم أن العلم هو ما يؤثر في الاقتصاد ويخرج أجيالا قادرة على العمل والإنتاج والتخطيط والنهوض بالدولة ككل ؟
الحقيقة أن العلاقة متبادلة بين المجالين يؤثران ويتأثران ببعضهما البعض دونما أفضليات إضافية من أحدهما على الآخر إلا وفق ظروف كل دولة؛ أي أنه إذا كانت دولة ما فقيرة ونامية ومازالت في طور النشأة الحديثة إلا أنها تملك علماء وخبراء أكفاء قادرين على وضع خطط واقتراح مشروعات بأبسط الموازنات وتوفير فرص عمل مناسبة والقضاء على مشكلات وظواهر مجتمعية متخلفة، فهنا سوف يكون للعلم الأفضلية على الاقتصاد لا محالة.
أما إذا ما كانت لدينا دولة قوية اقتصاديا نظرا لتوافر إمكانات طبيعية تميزها عن غيرها، إلا أنها حديثة الارتباط بالعلم ولم تكن تعبأ طوال ماضيها بالعلم وتنمية جيل صالح واعي بمعطيات الأمور ويستطيع التعامل مع مختلف الأزمات ويخطط ويفكر لوضع حلول ومقترحات، فإن الاقتصاد هنا يكون له التأثير والأفضلية على العلم ويمكنه انشاء مدارس وأكاديميات واستقدام مدرسين وخبراء ومتخصصين في التعليم والتربية والتنمية الفكرية عبر مختلف الوسائل العلمية والإعلامية والجماهيرية المختلفة من أجل النهوض بالعلوم والمعارف في البلاد.
مما سبق نستنتج أن الاقتصاد لا يمكنه أن يطور دولة بمفرده ولا حتى غيره من المجالات لا يمكنها الاستمرار والتقدم في طريقها على انفراد دونما ترابط أو تخطيط للنهوض بالمجالات الأخرى جنبا إلى جنب معا؛ لأن العالم الآن أصبح دولة صغيرة وأصبحت التخصصات مترابطة ومتشعبة ومتداخلة ومتقاربة …. إلخ، وهو ما يستدعي ربط كافة العلوم ببعضها البعض سواء في المراحل الدراسية أو المهنية حتى ننتج أفضل ما لدينا.
وإذا أعطينا مثالا على الربط بين مختلف العلوم قد نجد الولايات المتحدة هي الأبرز في هذا المجال وخاصة في منظومتها العسكرية التي تتطلب الربط بينها وبين التصنيع الثقيل للصلب وتشكيله، بالتزامن مع التطوير التقني، بالتزامن مع تطوير علوم الفضاء، بالتزامن مع تطوير الأسلحة والذخائر واستكشاف مواد فتك جديدة، بالتزامن مع استكشاف خامات جديدة لحماية الجنود على الأرض وفي الحبر وفي الجو، وكل تلك العلوم تتتضامن فقط من أجل تصنيع طائرة حربية صغيرة تحمل بداخلها طيار واحد فقط لا غير !!