تعددت أصناف العملات النقدية وتنوعت عبر الزمن ولعلّ أقدمها على الإطلاق العملة السلعية ، وبدورنا نتفرد في هذا المقال بالتعريف بهذه العملة الغارقة في التاريخ بهدف التعرف عليها كأكثر العملات قدماً عبر التاريخ .
التعريف بالعملة السلعية : إذا ما حاولنا التعمق في مصطلح العملة السلعية سنجد أنفسنا أمام نوع من النقود الحجرية المكتملة أو المجزوءة.
نشوء العملة السلعية:
إن نشوء هذا النوع من العملات الحجرية أو المعدنية كان ثمرة معاناة شديدة لحقت بالتجار في القديم إذ كانت عملية التجارة القائمة على تبادل السلع سلعة مقابل سلعة تشكل لهم عناءً مضاعفاً لا سيما أن كثير من السلع يستحيل على التجار اجتزاءها واقتسامها إلى جانب مشكلة انعدام التكافؤ بين المشتريات المتبادلة كل ذلك دفع التجار آنذاك إلى البحث عن طريقة يعتمدون عليها لحل هذه المشكلة تنال رضا جميع التجار فتمخض عن عملية بحثهم اقتراح لوضع سلعة ثابتة يعتمدها التجار يقيسون عليها مشترياتها وانطلاقاً من اختلاف طبيعة الأسواق بين البلدان انعكاساً لاختلاف طبيعتها وأساليب تعايشها نلحظ تمركز اعتمادهم على وحدات ثابتة لقياس السلع إذ كان التبغ وحدة القياس السلع عند الهنود الحمر في حين كانت الحنطة المادة التجارية التي اعتمدها تجار مصر كوحدة وسيطة لقياس السلع أما بالنسبة لتجار بلاد اليونان (الإغريق) فقد اعتمدوا الأنعام وحدة قياسهم التجارية الثابتة على خلاف تجار الصين الذين رسوا على السكاكين كوحدة قياس للمشتريات ؛ولعلّ ذلك جملة كافية من الأمثلة عن السلع الوسيطة الّتي تم اعتمادها في مختلف البلدان بحيث انطلق كل بلد من المواد السلعية السائدة بكثرة فيه لتكون بذلك هذه الوحدات الوسيطة أساس نشوء العملة السلعية كوحدة القياس الثابتة الأولى للسلع التي بشرت بانتهاء زمن التجارة بالمقايضة سلعة مقابل سلعة وعلى هذا النحو صارت عملية التجارة قائمة على بيع ما لدى التاجر من مواد ومنتجات مقابل الحصول على هذه العملة السلعية التي تخوله شراء ما يحتاجه من سلع متوفرة بالسوق ، فالتاجر اليوناني مثلاً يعمد إلى بيع ما لديه من منتجات وسلع بهدف الحصول على العملة الوسيطة في بلاده (الأنعام) ليبتاع من خلالها حاجاته من طعام أو شراب أو لباس وغيرها ، بقي ذلك سائداً إلى أن برزت الأحجار الكريمة كمنافس قويّ لهذه السلع الوسيطة بحيث تم اعتمادها كعملة ثابتة تستخدم في أمور البيع والشراء ولعلّ ذلك يعود إلى ما تتمتع به الأحجار الكريمة من سمات هامّة لا تتوفر في غيرها كالقدرة على حملها وتخزينها ،قوتها وصلابتها ،قلة شيوعها وندرتها ولعل ذلك من أبرز سماتها، وإمكانية تقسيمها ، ويجدر بنا لفت النظر إلى أن التوازن القائم بين درجة قيمة هذه المعادن في السوق (القيمة القانونية كعملة) وبين قيمتها الحقيقية كمجوهرات أكثر ما يميّز هذه الوحدة القياسية (الأحجار الكريمة والمعادن النادرة ) ولعلّ عملية التوازن هذه ترجع إلى معادلة بسيطة تتلخص في أن ارتفاع القيمة الحقيقية لهذا المعدن النادر على حساب قيمته في السوق( القانونية) سيدفع التجار إلى صهر وحداتهم النقدية المصنوعة من المعدن ذاته وتحويلها إلى قطع ( سبائك) بحيث يزدحم السوق بكثرت هذا القطع مما يدفع التجار بالضرورة إلى خفض القيمة الحقيقية للمعدن لتتعادل مع قيمة العملة المتداولة منه والعكس صحيح كحال الجنيه الإنكليزي الذهبي في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى .