{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)} [سورة التين: 1-8]، جاء في فضلها أنها أقرت بثلاث رسالات سماوية وهي اليهودية والمسيحية والإسلام حيث ذكرت مكان نزول كل رسالة فيها وذكرتهم على الترتيب.

فضل سورة والتين والزيتون:
قال بعض الأئمة: نزلت السورة في محال ثلاثة بعث الله في كل واحد منها نبيًا مرسلًا من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبرى فالأول وهي: التين والزيتون وهي بيت المقدس التي بعث فيها عيسى بن مريم عليه السلام، والثاني: طور سنين الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام، والثالث: مكة وهو البلد الأمين وهو الذي أرسل فيه محمد صل الله عليه وسلم.

وقالوا: أنه تم ذكر هذه الأماكن الثلاثة في آخر التوراة: جاء الله من طور سيناء يعني الذي كلم الله عليه موسى بن عمران، وأشرق من ساعير يعني جبل بيت المقدس الذي بعث الله منه عيسى، واستعلن من جبال فاران يعني: جبال مكة التي أرسل الله منها محمدًا، فذكرهم على الترتيب الوجودي بحسب ترتيبهم في الزمان، ولهذا أقسم بالأشرف وهو التين والزيتون ثم الأشرف منه  وهو طور سنين ثم الأشرف منهما وهو البلد الأمين.

قال أبو هريرة: «فإذا قرأ أحدكم {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} فأتى على آخرها: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} فليقل: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين».

عن البراء بن عازب قال: «كان النبي صل الله عليه وسلم يقرأ في سفر في إحدى الركعتين بالتين والزيتون، فما سمعت أحدًا أحسن صوتًا أو قراءة منه»

تفسير الآيات:
{وَالتِّينِ}: قيل المراد بالتين مسجد دمشق، وقيل دمشق نفسها، وقيل الجبل الذي عندها، {وَالزَّيْتُونِ}: قال كعب الأحبار وقتادة وغيرهم: مسجد بيت المقدس، وقال مجاهد وعكرمة: هو الزيتون الذي تعصرون، {وَطُورِ سِينِينَ}: هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى، {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}: يعني مكة ولا خلاف في ذلك، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}: هذا هو المقسم عليه، وهو أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة، وشكل منتصب القامة وسوي الأعضاء حسنها.

{ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ}: أي إلى أرذل العمر، {إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}: قال عكرمة: من جمع القرآن لم يرد إلى أرذل العمر، وقد استثنى المؤمنين من ذلك لأن الهرم قد يصيب بعضهم، {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}: أي غير مقطوع، {فَمَا يُكَذِّبُكَ}: يعني يا ابن آدم، {بَعْدُ بِالدِّينِ}: أي بالجزاء في الميعاد وقد علمت أنه من قدر على البدأة فهو قادر على الرجعة فأي شيء يحملك على التكذيب بالمعاد وقد عرفت هذا؟ {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}: أي أما هو أحكم الحاكمين الذي لا يجزر ولا يظلم أحدًا، ومن عدله أن يقيم القيامة فينصف المظلوم في الدنيا ممن ظلمه.